متي نشعر بالأمان..؟

بقلم/ميرنا درويش
هو الشعور الخفي الذي يسكن قلوبنا تجاه كل الأشياء من حولنا، شعور غريزي يحتاجه الإنسان في أي عمر ليعيش حياته بمختلف مراحلها وبشكل طبيعي،الأمانُ حالة شعوريةٌ رهيبةٌ، لها آثارها الإيجابية على الإنسان في أفكاره، وآرائه، وسلوكه.
وحده الإحساس بالأمان يجعلك تغمض عينيك مساءً وتنام قرير العين لتستيقظ صباحاً وتمضي بخطى ثابتة نحو الأمام، تواجه تقلبات الحياة بحزم وثقة بعد كل سقوط أو تعثّر.
و لكن… متي نشعر بالأمان…
ما مفهوم الامان بالنسبة لنا؟
يري البعض الأمان في حضن الأم الدافئ و اهتمامها بأدق تفاصيلك ، صوت مفاتيح الاب و هو عائدا للمنزل ، الضحكات العالية مع الاخوة ، حكايات الجدة و حنانها و حبها اللانهائي و طبخها الذي لن تتذوق مثله مهما حييت ، في نبرة صوت الجد المطمئنة و ضحكته التي يظهر فيها تفاصيل العمر و الذكريات ، في نظرة الي وجه الأبناء ، يكمن الامان في العائلة ، و في وجود الاهل بجوارنا دائما..
و البعض يري الأمان في الحب ، ان تشعر ان لك احد يخصك و تخصه ،ان تشعر انك محبوب في وجوده ، انك كاف لدي عينيه و قلبه ، يحبك حب غير مشروط ، يطمئنك دائما بوجوده و يحتويك ، لغة تواصلكم معا يملؤها الحنية و التفاهم ،شريك لعمرك تألفه وترتاح إليه ، فيكون معك في الفرح والألم،
الامان هو نظرة من عينيه يقول لك بها انه هنا بجانبك موجود لاجلك دائما ، يريدك ولا يرغب في احد دونك، هو حنان قلبه عليك حتي و ان اخطأت ، هو دفاعه عنك في وسط مليون شخص اخطأوا في حقك ، هو في انه لن يفهم افكارك او تصرفاتك بصورة خاطئة ،و ان تشعر بالاطمئنان انه لن يخذلك ابدا ، تضع همومك بين يديه ،و يكون لك السند ، و ان تعلم انك مهما اختلفت معه لن يجرحك بكلمة ولا تخاف ابدا من رحيله عنك ،فلا يهددك بغيابه ولا تشعر ان علاقتكم علي المحك ، الامان الا تخاف ان تقول كل ما بداخلك تجاهه ، و إن اجتمع الجميع علي فراقكم لبعض ، لا يفارقك أبدا..
و يتمثل الأمان بالنسبة للبعض في المال ،في وديعة بنكية أو بضع قطع ذهبية، لا تقترب منها المرأة أو ربما لا تتزين بها طوال حياتها فهي للزمن وليست أبداً للزينة ، في امتلاك سيارة الأحلام او بيت خاص،في وظيفة مضمونة ذات دخل ثابت ، في وظيفة تضمن له الأمن الوظيفي ، الامان هو سداد ديونك أو الادخار من أجل نفقات تعليم ابنك أو من أجل التقاعد ، الأمان بالنسبة للبعض يعني ببساطة أن تصبح غنيًا…
و يمكن ان يكون الصديق امان بالنسبة للبعض ، قد يجد الإنسان الأمان عند صديق ولا يجده بين أهله قد يكون وسط أسرة صالحة لكنها تجهل طريقة التعامل والحوار مع أبنائهم ومعالجة الأخطاء فيضطر الاتجاه إلى غيرهم ليجد الأمان بينهم،
هذا الشعور بأن تستأمن أحدهم على نفسك بجميع حالاتك بفرحها وحزنها، بعيوبها وحسناتها حتى على تلك الأشياء التي تخاف من قولها لنفسك ،أن لا تشعر بأي خوف أو مشاعر سلبية في علاقتك، خوف من أن تُفهم بشكل خاطئ، خوف من أن تُستبدل، خوف من أن تُترك وحيداً ، ان تجد من يسمح لك بفضفضة همومك ومخاوفك دون القلق حيال نشر الأسرار، بالتحدث بما تريد عن أي شئ بداخلك ببساطة دون الخوف ان يتم فهم ما تقول بشكل خاطئ ، تكون علي راحتك بعفوية كلاما و افعالا..
كما يري البعض الحرية امان ، الحرية في التعبير عن الرأي دون أن تشعر انك سجين افكارك ، الحرية في ان اكون انا دون الحاجه لأخفاء جزء مني ،أتحدث بعفويتي المطلقة دون أن ينتابني شعور بالخجل مما أقول، أن أظهر نقاط ضعفي فلا يتم استغلالها ضدي، وأظهر نقاط قوتي فلا يتم استعبادها، أن ألبس ما شئت وآكل ما شئت دون أي تقيد بتحكمات الطرف الآخر، أن أمارس عباداتي الدينية دون مراقبة، ببساطة أن أحيا كما أريد ويتم إحترام تلك الإرادة دون أن أقدم تبريرات لكل فعل ،فلا أقلق بشأن مظهري الخارجي، ولا أضطر لانتقاء كلماتي بدقة شديدة خوفًا من أحكامهم، ولا أبتلع آرائي خوفًا من ردات فعلهم….
الأمان ، ان يكون لك وطن يخلو من الحروب ، من المجاعات ، هواء الوطن يملأ رِئتيك بكل ذكريات الطفولة البريئة، والذي تخاف أن تفقده في أي لحظة يتعرض فيها وطنك لتهديد يمس أمنه واستقراره، أمان المكان هو الوطن الذي يحتوينا…
و إن أعز هذا الشعور هو القرب من الله عز وجل، فكلما زاد قرب الإنسان من ربه تعاظم في دواخله عمق الشعور بالأمان لأنه يستشعر أنه في حماية الله ،و ان الله راض عنه ،فالأمان يكون بالقرب من الله سبحانه فهو مصدر السعادة والأنس والأمان الروحي، قال تعالى في كتابه العزيز:«ألا بذكر الله تطمئن القلوب» ، الأمان إن لم يكن قائما بتقوى الله قد يتلاشى لأسباب دنيوية ،فكلما كان الإنسان قريبا من الله زاده راحة و طمأنينة من الأمان الروحي والنفسي والعاطفي ، فجعل الله الأمان مقرونًا بالإيمان فقال سبحانه وتعالى :{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } ، فالوازع الديني مهم جدا للحصول على الأمان الروحي…و من يتق الله في قلبه سيبقى الله في قلبه …
قيمة الأمان هي نفسها، والحاجة إليه واحدة، لكن مفهومه نسبي، يختلف ناس في تعريفه ويتفق آخرون ، يختلف من شخص لآخر، يتواجد بحسب الحاجة الملحة التي يحتاجها الإنسان مثل الفقير عندما يحصل على بعض المال فيشعر بالأمان والطفل الذي يجد في حضن أمه الأمان..
الأمان بين الرجل و المرأة….
الأمان هو مفتاح قلب المرأة، قد يتمثل عندها الأمان في رجلٍ تفقد من دونه كل طعم للحياة والعيش الهني، سواء كان أباً، أخاً، زوجاً أو ربما ابناً، رجلا يعبر لها عن امتنانه وتقديره لها, تضع فيه كل أحلامها وآمالها وطموحاتها، تتحمل لأجله كل ما قد يواجهها من صعوبات على أمل أن يكبر يوماً ويكون خير سند.
الشعور بالأمان من الأمور الأساسية لدى المرأة فى علاقتها بالرجل, وهو يقوم على ثقتها الكاملة فيه ويقينها الكامل أن مشاعره تجاهها لم ولن تتغير وأنها تمثل أولوية فى حياته كما هو أولوية فى حياتها ، تشعر بأنها سره و هو سرها، و فى عقلها هناك مجموعة من المخاوف و التساؤلات التي لا تتوقف مثل «هل ما زال يحبني؟ هل ما زلت جميلة فى عينه؟ هل هناك امرأة أخرى فى حياته؟» وقد لا يوجد ما يدعو للتفكير فى ذلك لكنها طبيعة المرأة التى تميل إلى المبالغة فى القلق وتضخيم الأمور واحتياجها الدائم للشعور بالحب والاهتمام و بالأمان، يدفعها فى كثير من الأحيان للإتيان بسلوكيات غير مفهومة مثل الغيرة والشك والخوف من المستقبل او الابتعاد النفسى عن الرجل ،كما أن الجفاء والفتور العاطفى يقتل الأمان ويزيد مخاوف المرأة ، عندما لا يشاركها الرجل حياتها اليومية وطموحاتها وأحلامها، فبالمشاركات اليومية تقرب المسافة وتشعر المرأة بالأمان والطمأنينة والسعادة ،وقد يجد الرجل صعوبة فى فهم الدور المطلوب منه لطمأنة مخاوفها فيعتقد أن توفير الامكانات المادية هو الأمان ذاته, لكن المرأة بحاجة أكثر للأمان العاطفى.
وأحيانا كثيرة، يكون الرجل سببا في إحساس المرأة بعدم الأمان ، عندما يقتحم خصوصيتها ويتسلط عليها وعندما يقوم الزوج بتهديد الزوجة بإنه سيتزوج عليها أو سيطلقها وهو نوع من العنف المعنوى يتنافى مع السكن والمودة والرحمة ،وكذلك مقارنة المرأة بغيرها يفقدها الأمان ، غيرة الرجل الشديدة تشعرها بالتهديد الدائم، وكلما زاد حجم الثقة والتواصل بينهما زاد الأحساس بالأمان، فقلب المرأة وطن والوطن الذى لا يستطيع الرجل ان يأمنه ويحمية لا يستحق العيش فيه..
وقد يكون الأمان بالنسبة لها هو أحلام وطموحات تريد تحقيقها مادية كانت أو معنوية ، قد تكون معنوية مثل السفر الى الخارج،شهادة عليا ومنصب مهم ليس لها أن تتخلى عنه لأي سبب كان، حتى لو كان المقابل البقاء بدون زواج، الطلاق أو التخلّي عن حلم الأمومة ، وقد يكون شيئا ماديا كعقار أو سيارة او ادخار المال والمقتنيات.
اما عنده فالأمان يتمثل عموماً في عائلة كبيرة، عمل مستقر، أطفال ذكور يحملون اسمه ويضمنون استمرارية العائلة ورصيد بنكي مهم أو ربما تأشيرة ذهاب إلى كندا أو أميركا لبناء مستقبله أو للاستقرار الدائم ، في دائرة أصدقاء أوفياء لم تفرّقهم الظروف ولم تؤثر فيهم تقلبات الزمن، في سيارة فخمة ،
و فيها ، فالمرأة هي المصدر الاكبر لأمان الرجل ، فيجد الأمان دائما في حنان امه و صوتها الذي لا يفشل أبدا في طمئنته ، في دفئ حضنها الذي يمحي من قلبه الحزن و الهم ، في طيبة أخته وحنيتها، في ملامح ابنته التي تشبه ملامحه بشده و طباعها و عنادها الذي يذكره بطفولته و ذكرياته ،
و في حبيية تشاركه تفاصيل حياته بحلوها ومرها ، تعاونه علي مواجهة دنياه ، تحنو علي قلبه ان قست الدنيا عليه و تكون له خير السند و الداعم، يبكي في حضنها ولا يستحى ان يظهر ضعفه امامها لانها ستره و لباس له، يشعر انها تحاوطه من كل ناحية، حتي لو ليست بجانبه، يشعر بروحها حوله دائما ، يشعر بعينيها تنظر اليه وتحميه، يشعر بيدها و هي تطبطب عليه في عز لحظات وجعه وخوفه ، تكون مستشاره الاول في كل تفاصيله بداية من اختيار ملابسه و حتي اتخاذه لقرارات مصيرية في حياته، تبحث دائما عن مصلحته و ما يفيده تتشاجر معه خوفا عليه و من اجله ،تسامحه دائما علي عثراته و تحبه بكل طاقتها ، تكون له الحب ، الحنية ، التفاهم و السند.. تكون له الأمان..
و لكن..
متي نشعر بعدم الأمان ؟
هناك العديد من الحالات التي لا يشعر فيها الفرد بالأمان، بعضها حقيقية وأخرى تخيلية، ربما تشعر بعدم الثقة إذا ما كان الآخرون يحبونك أم لا، أو إذا كنت ستحتفظ بوظيفتك أم لا، ربما تكون شخصًا غير آمن ومُتداعٍ بشكل عام ، وسواء كان شعورك بالتداعي وعدم الأمان مبني على أسس حقيقية أو لا، يمكن لهذا الشعور أن يعجزك في حياتك إذا لم تستطع التعامل معه.
لماذا نشعر بعدم الأمان؟
من أهم أسباب عدم الشعور بالأمان:
١- وجود تجارب قاسية من الماضي، وخاصة في مرحلة الطفولة مثل الفقد والفشل وعدم توفر البيئة الآمنة لحياة الطفولة، التعرض لمعاملة سيئة في الماضي سواء من قبل الأهل أو الأصدقاء أو حتى من قبل المعلمين والزملاء في المدرسة ضعف التواصل بين الأهل والأبناء، وتعامل الآباء مع الأبناء بقسوة كبيرة، مما يجعلهم يفتقدون للنموذج الأفضل للأمان بالنسبة لهم وهو الأب أو الأم، او انعدام الاستقرار الأسري والعيش وسط عائلة تكثر فيها المشاحنات أو حتى العيش بين أبوين منفصلين ، مما يُولد عقدة من عدم الشعور بالأمان مع أي شخص.
٢-انعدام الثقة بالنفس والمعاناة من بعض المخاوف النفسية و من العزلة الاجتماعية، عدم الاختلاط بما يكفي بالناس والجهل بطرق التعامل في المواقف الحياتية المختلفة التي تُشكل حاجزًا أمام المضي قُدمًا في الحياة وفي العلاقات مع الناس.
٣- عدم اختيار الشريك المناسب لدخول العلاقة، بحيث يقع الاختيار على أشخاص غير ناضجين عاطفيًا أو أشخاص غير جادّين وغير صادقين في عواطفهم ويرغبون في التسلية لا أكثر، و عدم وضع حدود صحية للعلاقة مع الشريك، بحيث يسمح الشريك لنفسه بتخطي الخطوط الحمراء والتدخل في أشياء لا يحق له التدخل فيها، مما يجعل الشخص يشعر بالضيق وبأنه تحت الرقابة طوال الوقت.
كيف تميز شعور انعدام الأمان؟
١-العزلة : تعتبر العزلة واحدة من علامات الشعور بانعدام الأمان، حيث يتوقف الشخص عن الرغبة في التعرّف إلى أشخاص جدد أو مقابلتهم، لأسباب عدّة، منها القلق والتوتر المبالغ عند الدخول في أي علاقة ، القلق من حكم الآخرين عليهم والقلق بشأن ما قد يُفكرون به تجاههم، وكذلك نتيجة ضعف الثقة بالنفس، أو التفكير في أنّهم ليسو جيدين بما يكفي أو مثيرين للاهتمام بالقدر الذي يُتيح لهم إجراء محادثة مع الآخرين
٢-التعلق القلق : يشعر الشخص الذي يُعاني من انعدام الأمان بما يُعرف بالتعلق القلق ، وهو يحمل أوجهًا كثيرة، من ضمنها الشعور بالقلق من فكرة أنّ الآخرين لا يُكنّون له الحب، أو أنّه لن يكون مناسبًا أو كفءً لهم، ومن الأمثلة على هذه العلامة عند الأطفال مثلًا، بكاؤهم عند رحيل والديهم، ومواجهة صعوبة في الشعور بالراحة عند عودتهم من جديد؛ لفقدانهم للأمان.
٣-ضعف الأداء الوظيفي: يتسبب شعور الإنسان بانعدام الأمان في ضعف الأداء الوظيفي، فرغم أنّ بعض الأشخاص يشعرون بالتحفيز في العمل عند امتلاكهم لوظيفة غير مستقرة ؛ رغبة منهم في الحفاظ على العمل، إلّا أنّ غالبًا ما يحدث العكس، وهو ضعف الأداء، وذلك يؤدي إلى التغيب عن العمل، والرغبة أو النية الداخلية في تغيير الوظيفة بعد وقت قصير من الالتحاق بها، وكذلك بسبب مواجهة مواقف عمل سيئة.
٤- غياب احترام الذات أو تدنيه: يعتبر غياب احترام الذات ، واحدًا من العلامات التي تدل على الشعور بانعدام الأمان، فعند شعور الشخص بالأمان، سينظر إلى نفسه بشكلٍ متوازن ودقيق وموضوعيّ؛ سيُدرك أنّه يمتلك قدرات جيّدة، وفي الوقت ذاته يعرف عيوبه ويتقبّلها ويحاول تحسينها، بخلاف من يشعر بانعدام الأمن، حيث يشعر بالدونية التي ينعدم معها أو يتدنّى احترام الذات؛ لأنّه يشعر أنّه أقل من الآخرين.
٥- عدم الرضا والسعي للكمالية: يسعى العديد من الأشخاص لتحقيق الكمال، وهو أمر طبيعي إلى حد ما، إذا ما كان يعمل هذا الأمر على التحفيز للنجاح، من جهةٍ أخرى، يدخل السعي إلى الكمال وعدم الرضا عن النفس في اتجاه خاطئ غير صحي، عندما يرغب الشخص في الحصول من خلاله على توقعات غير واقعية حول الذات، ليكون بهذا هدفًا للحصول على رضا الآخرين وقبولهم، وهو في هذه الحالة، علامة تُشير إلى الشعور بالخوف وعدم الشعور بالأمان.
٦- الاكتئاب والقلق: إنّ الشعور بانعدام الأمان، يؤدي إلى تراجع الصحّة العقلية والنفسية، وفي كثير من الحالات، ينتج السلوك الاكتئابي أو التفكير الاكتئابي أو القلق نتيجة انعدام الأمان، خصوصًا، عند مرافقته لمعتقدات أو أفكار خاطئة.
٧-محاولة نقل عدم الأمان للآخرين: إنّ الشخص الذي يشعر بانعدام الأمان، غالبًا ما يحاول نقل مشاعره السلبية ذاتها هذه للآخرين ، حيث ينقل للآخرين مخاوفه، بمعنى آخر، يشعر الشخص الذي يُرافق أحدا يُعاني من انعدام الأمان، بأنّه يبدأ بالنظر لقيمته الذاتية بشكلٍ دونيّ ، وفي أحيان أخرى، يعرض الشخص الذي يفتقد للامان بشكلٍ دائم نقاط قوّته، التي تجعل الآخرين يشكّكون بقيمتهم وأدائهم.
٨-عرض الإنجازات والتفاخر: إنّ عرض الإنجازات والتفاخر الدائم هو أحد علامات شعور الشخص بانعدام الأمان؛ إذ إنّ التحدّث بشكلٍ مستمر عن أسلوب الحياة المثالي الرائع الذي يعيشه، أو التعليم المتميز الذي يتلقّاه أطفاله مثلًا، أو امتلاكه لأبناء مثاليين، جميع هذه الأحاديث، ليست سوى وسيلة لإقناع نفسه أنّه إنسان يمتلك قيمة ذاتية جيدة ويستحق الأفضل فعلًا.
٩-الفشل في التواصل البصري: من علامات شعور الشخص بعدم الأمان هي الفشل في التواصل البصري مع الآخرين، ومن أسباب ذلك، شعوره بالخجل سواء من نفسه أو جسده؛ ومن ذلك أن يشعر بالإحراج في مواقف كثيرة، ويتمنّى خلالها أن لا يراه أحد أو أن لا يكون ظاهرًا.
يؤثر انعدام الأمان بأنواعه على نفسيّة الإنسان وصحته، فالذي يعاني من انعدام الأمان يحتاج للحب والاطمئنان، وقد يبدأ برفض الآخرين وتكوين مشاعر سلبية تجاه الخارج، وقد يفقد الإنسان ثقته بهيئته وجسده، وهذا كله يساهم في التأثير على صحته البدنية فضلًا عن تأثيرها النفسي ، وربما يكون هذا القلق يحتاج إلى رعاية واستشارة نفسية وعلاج سلوكي ودوائي، خاصة إذا كان يؤثر على جميع علاقات الشخص ويُسبب فشلها
كيف يمكن التعامل مع شعور انعدام الأمان؟
كي تتخلص من الشعور بعدم الأمان ، عليك أولًا أن تُعالج الأسباب التي أوصلتك إلى هذه النقطة، ومن ثم تتخذ بعض الإجراءات التي تقوي إحساس الأمان لديك، وأهم ما يمكن فعله:
١- التأكيد على القيمة الذاتية:
عن طريق الوعي بأفكارك حوله نفسك، بحيث تسترجع القرارات الإيجابية التي تتخذها يوميًا، ،حافظ على كيانك واستقلاليتك حتى مع أقرب الأشخاص إليك ولا تدخل اي علاقة بكلّ ما تملك من مشاعر بحيث تعبر عن نفسك دفعة واحدة، بل عليك أن تتريث في تقديم نفسك في أيّ علاقة كي تحتفظ بمفاتيح العودة لنفسك في أيّ وقت،الأمر الذي يوصله في النهاية إلى الأمان الداخلي.
٢- الاهتمام بالاحتياجات الشخصية:
على الشخص الذي يُعاني من انعدام الأمان، الاهتمام باحتياجاته الشخصية والتركيز عليها بدلًا من الاهتمام الدائم باحتياجات الآخرين، وفي ذلك تقدير للنفس، و ذلك عن طريق الاهتمام بتغذية الجسم، وممارسة التمارين الرياضية لمدة 30 دقيقة على الأقل يوميا ، تناول الوجبات المفضّلة، التحدّث بشكلٍ لطيف إلى الذات والتعاطف معها، خصوصًا عند ارتكاب الأخطاء؛ إذ إنّ الجميع عرضة لارتكابها، وهي لا تحدد شخصية الإنسان.
٣- الابتعاد عن المواقف التي تسبب القلق:
على الشخص أن يفكّر في المواقف التي يشعر فيها تحديدًا بعدم الأمان، ويتذكر الأشخاص الذين كانوا هناك، والعمل الذي كانوا يقومون به، ففي بعض الأحيان، يكون البعض سبب انعدام الثقة بالنفس، وسببًا في عدم الشعور بالأمان أيضًا ،سيطر على حالة القلق والتوتر التي تنتابك ولا تسمح للأفكار السلبية أن تهزمك وتؤثر على طبيعة شعورك في علاقاتك الحالية، فالإحساس بالأمان يأتي من التحلّي بالأفكار الإيجابية والتفاؤل.
٤- تعزيز الثقة بالنفس:
يُمكن تعزيز الثقة بالنفس بعدة طرق منها، كتابة الإنجازات التي يتم تحقيقها، وفعل الأشياء التي تبعث شعورًا بالسعادة، وتخصيص وقت فراغ للاستمتاع به، وتعلّم مهارات جديدة أو ممارسة هوايات صحية جديدة،تعلّم كيف تطمئن نفسك وتعطيها الرسائل التشجيعية ولا تتهرب من مخاوفك، بل تقبلها وحاول أن تتخلص منها بطريقة سلسة وصحيحة.
٥- التحدّث إلى الطبيب:
في حال عدم جدوى الطرق السابقة في علاج شعور انعدام الأمان، يُمكن اللجوء إلى المعالج المختص لتشخيص الحالة وتقديم العلاج اللازم للاضطرابات النفسية، إذ يُساعد المعالج على استكشاف مخاوف الشخص ومعرفة مصدرها وسببها، وعلاج كل منها، كما يُمكنه المساعدة في اقتراح حلول جديدة تُمكّن الشخص من تجاوز المواقف السلبية التي تتسبب في انعدام الأمان.
٦- افصل ماضيك عن حاضرك :
ولا تجعله يتحكم في مشاعرك وعلاقاتك، ولا تجعل فشل علاقات الماضي يؤثر على علاقاتك الحالية، فاليوم أنت شخص مختلف وأكثر نضجًا ووعيًا وتملك الخبرة الكافية كي تشعر بالأمان والطمأنينة وتتخلص من مخاوفك التي قد لا يحدث أيًا منها في الأصل ، لا تنقل انطباعاتك ومشاعرك التي مررت بها في علاقاتك السابقة إلى علاقاتك الحالية.
٧- لا تطلب الإحساس بالطمأنينة من الآخرين:
بل اجعله نابعًا من أعماقك، وكن أنت مصدر الإحساس به، لأنّ إحساسك بالأمان يعني أن يشعر الآخرون بالأمان معك أيضًا.
٨- كُن انتقائيًا جيدًا في علاقاتك :
اختر الأشخاص الذين يبدو عليهم النضج العاطفي ولديهم صفات إيجابية ويتمتعون بقدرة كبيرة على احتواء الآخر ومساعدته.،ضع حدودًا صحية في علاقاتك ولا تتنازل عنها مقابل إرضاء الآخرين، ولا تسمح لأي أحد أن يُقحمك في ما لا تريده كي لا تفتقد استقرارك الداخلي الذي هو مصدر أمانك.
٩-قم بتحليل ردود الفعل السلوكية و اللفظية أثناء حالات الخلاف:
رؤية أن الآخرين يصبحون دفاعيين أو محبطين، عندما يقع الفرد في موقف يؤمن به أنه يجب أن يدافع عن نفسه، فإنه سوف يظهر مشاعر انعدام الأمان لديه بشكل ما من خلال ردود فعله. راقب عن كثب وستنجح في تفهم هذا الشخص ودوافعه، كما توجد أمثلة للردود اللفظية التي تنتج بسبب مشاعر انعدام الأمان ، تحليلها يعمل على إيجاد حالة من الفهم لها، بحيث تقدر على البقاء آمنًا ونزع نفسك بعيدًا عن هذا الموقف و يساعدك علي النجاح في علاج هذا الخلاف بشكل تام.
في النهاية..
الأمان هو عدم الوقوع في الضغط الذي يؤثر على القدرات الجسدية والنفسية وعدم وقوع الشخص تحت الظلم او عدم القدرة على أن يعيش سليما معافى وكذلك عدم اخضاع الشخص لمؤثرات خارجية تسببب له القهر والاحباط والرفض للاخر،الأمان ضدُّ الخوف، والإنسان يَشعُر بالأمان عندما يَطمئن إلى أنَّه ليس في خطرٍ، وعندما يَتوقَّع السّلامة لنفسه ولِمَن يُحِبُّ ولِمَا يَملك، ويَكتمل شعور الإنسان بالأمان عندما يَطمَئِن على رزقه وأنَّه لَن يَمر في فَقرٍ وعَوزٍ سواء مادي او معنوي ،وقد تكون أنت نفسك مصدر أمان للكثيرين من حولك: أباً كنت أو أماً، أخاً أو صديقاً، معلماً، طبيباً، رب عمل.. وهنا تكون مصدراً لسعادة أناس أو لتعاستهم وسبباً لتغيرهم للأفضل أو للأسوأ، يؤثر وجودك في مزاجهم واتخاذ أهم قراراتهم وحتى سير يومهم… و في شعورهم او فقدهم للامان..
الإحساس بالأمان عليه أن يكون نابعاً من داخلنا؛ لكي نستمر بثبات ولا نسقط كلما تعرضنا لغدر أحدهم أو خيانته فقط لأنه كان مصدر أماننا الوحيد.
لا يجب أن يتعلق عندنا الأمان بشخص أو بشيء، وبالتالي يضيع ونضيع بفقدانه ونفقد كل طعم للحياة من بعده فلا يحلو لنا عيش ولا تنام لنا عين؛ لنجعل الأمان إنتاجاً داخلياً لا ينفد، قد يقل أو يزيد بحسب ظروف الحياة اليومية وذلك بشحنه بالطاقة الإيجابية، الثقة في الله والنفس، حسن الظن بالله والرضا بقضائه وقدره والسعي للخير وتحقيق الأهداف، لكن المهم أن يظل حاضراً، لا ينضب ولا يتعلق بمخلوق أياً كان.
فمن الممكن جداً أن يصبح البحث عن الأمان والسند هوساً يجعلنا نخاف من كل تغيير في حياتنا ولو كان بسيطاً فلا نستطيع البدء بأي خطوة جديدة، ونمشي جنب الحائط طوال الوقت خوفاً من التعثر أو السقوط كطفل صغير يتعلم المشي، فنقبل في حياتنا بعلاقات تتعبنا، وأشخاص يستنزفون كل قوانا، ويقتلون كل شيء جميل فينا، فقط لأن قرار تركهم يرعبنا ويهدد الأمان بداخلنا..
لا تجعل حياتك قائمة على محور واحد فتضيع بضياعه، لا تتكئ على عمود واحد، فتنهار بانهياره، لا تضع أبداً البيض كله في سلة واحدة، فتنكسر بانكساره.